أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

زيارة المقابر في عيد الأضحى

هل يُسمح للمسلمين بزيارة المقابر في عيد الأضحى؟

يُعدّ عيد الأضحى مناسبة إسلامية عظيمة، تُذكّر بالتضحية والإيمان، وتُعمّق الروابط الأسرية والاجتماعية. وفي خضمّ فرحة العيد، قد يتساءل البعض عن حكم زيارة المقابر في هذه الأيام المباركة. هل هي عادة محمودة أم مكروهة؟ هل تُوجد نصوصٌ شرعية تُبيّن الحكم الشرعي في هذه المسألة؟ سوف نُسلّط الضوء في هذا المقال على موقف الإسلام من زيارة المقابر في عيد الأضحى، ونستعرض الأدلة الشرعية وآراء العلماء في هذه المسألة.


ينطلق المسلمون في أيام عيد الأضحى لأداء شعيرة الحج المباركة، ويُكثرون من ذِكر الله، وتبادل التهاني، وصلة الأرحام. إلا أن البعض قد يُفكّر في زيارة قبور أحبّائه في أيام العيد، طلبًا للدعاء لهم، وتجديدًا للذكرى. فما هو الرأي الشرعي في ذلك؟ وهل تُوجد نصوصٌ صريحة تُبيّن حكم زيارة المقابر في عيد الأضحى بالتحديد؟

زيارة المقابر في الإسلام: نظرة عامة

حثّ الإسلام على زيارة المقابر، وعدّها وسيلةً للتذكير بالآخرة، والاستعداد ليوم الحساب. ففي الحديث الصحيح عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تُذكّركم الآخرة). ولكن حدّد الإسلام ضوابط وشروطًا لزيارة المقابر، منها:
  • النية الصادقة: ينبغي أن تكون نية الزيارة تذكّر الموت، والاعتبار بحال الأموات، والدعاء لهم، وعدم إظهار الحزن والجزع.
  • الالتزام بالآداب الإسلامية: يُحرم على الزائر الجلوس على القبور، أو الدوس عليها، أو رفع الصوت، أو إقامة الولائم عندها.
  • التزام الحشمة: يجب على النساء ارتداء الحجاب الشرعي، وعدم إظهار الزينة أو التبرج.
تُعدّ زيارة المقابر في الإسلام عبادةً مشروعة، ولها فضائلُ عظيمةٌ في تربية النفس، وتذكيرها بالآخرة. ولكن ينبغي الحرص على الالتزام بآداب الإسلام، وعدم إدخال البدع والمُنكرات فيها.

عيد الأضحى وزيارة المقابر: ما هو الرأي الشرعي؟

لا تُوجد نصوصٌ صريحةٌ في القرآن الكريم أو السنة النبوية تُبيّن حكم زيارة المقابر في عيد الأضحى بالتحديد. لذا اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من أجازها، ومنهم من كرهها، ومنهم من فصل بين الرجال والنساء في ذلك. وفيما يلي عرض لآراء بعض العلماء:
  1. المذهب الحنبلي:  يرى أصحاب المذهب الحنبلي جواز زيارة المقابر في أيام عيد الأضحى، وذلك استنادًا إلى عموم الأدلة التي تُبيّن مشروعية زيارة القبور في أيّ وقت. فلم يُفرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الأوقات في مشروعية الزيارة، وإنما حثّ عليها بقوله: (زوروا القبور فإنها تُذكّركم الآخرة).
  2. المذهب المالكي:  يذهب أصحاب المذهب المالكي إلى كراهة زيارة المقابر في أيام العيد بصفة عامة، سواء كان عيد الفطر أو الأضحى. ويرون أن الفرح والسرور الذي يتحلّى به المسلمون في أيام العيد لا يتناسب مع جوّ الحزن والأسى الموجود في المقابر.
  3. المذهب الشافعي:  يرى أصحاب المذهب الشافعي جواز زيارة المقابر في أيام عيد الأضحى للرجال دون النساء. ويستدلون على ذلك بأن زيارة القبور للرجال تُعدّ سنةً مستحبة، بينما هي مكروهة للنساء في الأغلب.
  4. المذهب الحنفي:  يرى أصحاب المذهب الحنفي جواز زيارة المقابر في أيّ وقت، بما في ذلك أيام العيد، للرجال والنساء على حدّ سواء. ويستدلون بأن زيارة القبور عبادةٌ مشروعة، ولا يُوجد ما يمنع من أدائها في أيّ وقت.
تجدر الإشارة إلى أن هذه مجرد آراء بعض العلماء، وأن المسألة لا تزال محلّ اجتهاد وخلاف. وعليه، فإن المسلم له أن يأخذ بالرأي الذي يقتنع به، مع الالتزام بآداب الإسلام وعدم إدخال البدع في زيارة القبور.

أسباب اختلاف العلماء

يعود اختلاف العلماء في حكم زيارة المقابر في عيد الأضحى إلى عدة أسباب، منها:
  • عدم وجود نصوص صريحة: كما ذكرنا سابقًا، لا تُوجد نصوصٌ صريحةٌ في القرآن الكريم أو السنة النبوية تُبيّن حكم زيارة المقابر في عيد الأضحى بالتحديد.
  • الاختلاف في فهم النصوص العامة: اختلف العلماء في فهم النصوص العامة التي تُبيّن مشروعية زيارة المقابر، فمنهم من رأى أنها تشمل جميع الأوقات، ومنهم من رأى أنها تُستثنى منها أوقات العيد.
  • الاختلاف في فهم مقاصد الشريعة: اختلف العلماء في فهم مقاصد الشريعة من مشروعية زيارة المقابر، فمنهم من رأى أن المقصد هو تذكّر الموت، والاستعداد للآخرة، وأن هذا المقصد لا يتعارض مع الفرح والسرور في أيام العيد. ومنهم من رأى أن المقصد هو الترحم على الأموات، وأن هذا المقصد لا يتناسب مع الفرح والسرور في أيام العيد.
  • من المهم التأكيد على أن الاختلاف بين العلماء في هذه المسألة هو اختلافٌ سائغ، وأن كل عالم له أدلته واجتهاده. وعلى المسلم أن يأخذ بالرأي الذي يقتنع به، مع الالتزام بآداب الإسلام وعدم إدخال البدع في زيارة القبور.

آداب زيارة المقابر

بغضّ النظر عن الاختلاف في حكم زيارة المقابر في عيد الأضحى، فإن هناك آدابًا يجب الالتزام بها عند زيارة المقابر في أيّ وقت، منها:
  • النية الصادقة: ينبغي أن تكون نية الزائر خالصةً لله تعالى، وأن يريد بها تذكّر الموت، والاعتبار بحال الأموات، والدعاء لهم، وعدم إظهار الحزن والجزع.
  • السلام على أهل القبور: يُسنّ السلام على أهل القبور بقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية".
  • الدعاء للأموات: يُسنّ الدعاء للأموات بالمغفرة والرحمة، وأن يسأل الله لهم ثباتًا عند السؤال.
  • قصر الزيارة: لا ينبغي الإطالة في زيارة المقابر، بل يُستحبّ أن تكون الزيارة قصيرة.
  • الابتعاد عن البدع: يُحرم على الزائر الجلوس على القبور، أو الدوس عليها، أو رفع الصوت، أو إقامة الولائم عندها، أو تقبيل القبور، أو الطواف حولها، أو غير ذلك من البدع والمُنكرات.
  • التزام الحشمة: يجب على النساء ارتداء الحجاب الشرعي، وعدم إظهار الزينة أو التبرج.
هذه بعض آداب زيارة المقابر التي حثّ عليها الإسلام، وينبغي على المسلم أن يحرص على الالتزام بها، ليكون عمله صالحًا مقبولًا عند الله تعالى.
الخلاصة
إنّ زيارة المقابر عبادةٌ مشروعةٌ في الإسلام، لها أثرٌ كبيرٌ في تذكير المسلم بالآخرة، والاستعداد ليوم الحساب. إلا أنّ حكم زيارة المقابر في عيد الأضحى بالتحديد محلّ اختلاف بين العلماء، فمنهم من أجازها، ومنهم من كرهها، ومنهم من فصل بين الرجال والنساء في ذلك.

وعليه، فإنّ المسلم له أن يأخذ بالرأي الذي يقتنع به، مع الالتزام بآداب الإسلام وعدم إدخال البدع في زيارة القبور. والله تعالى أعلم.
تعليقات